فصل: من فوائد الخازن في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
قال علقمة: كل ما في القرآن {يا أيها الذين آمنوا} فهو مدني، وقد تقدم القول في مثل هذا. ويقال: وفي وأوفى بمعنى واحد، وأمر الله تعالى المؤمنين عامة بالوفاء بالعقود. وهي الربوط في القول كان ذلك في تعاهد على بر أو في عقدة نكاح أو بيع أو غيره. ولفظ المؤمنين يعم مؤمني أهل الكتاب. إذ بينهم وبين الله عقد في أداء الأمانة فيما في كتابهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ولفظ {العقود} يعم عقود الجاهلية المبنية على بر مثل دفع الظلم ونحوه، وأما في سائر تعاقدهم على الظلم والغارات فقد هدمه الإسلام فإنما معنى الآية أمر جميع المؤمنين بالوفاء على عقد جار على رسم الشريعة وفسرالناس لفظ {العقود} بالعهود. وذكر بعضهم من العقود أشياء على جهة المثال فمن ذلك قول قتادة {أوفوا بالعقود} معناه بعهد الجاهلية. روي لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أوفوا بعقد الجاهلية ولا تحدثوا عقدًا في الإسلام».
قال القاضي أبو محمد: وفقه هذا الحديث أن عقد الجاهلية كان يخص المتعاقدين، إذ كان الجمهور على ظلم وضلال، والإسلام قد ربط الجميع وجعل المؤمنين إخوة فالذي يريد أن يختص به المتعاقدان قد ربطهما إليه الشرع مع غيرهم من المسلمين اللهم إلا أن يكون التعاهد على دفع نازلة من نوازل الظلامات فيلزم في الإسلام التعاهد على دفع ذلك والوفاء بذلك العهد، وأما عهد خاص لما عسى أن يقع يختص المتعاهدون بالنظر فيه والمنفعة كما كان في الجاهلية فلا يكون ذلك في الإسلام، قال الطبري: وذكر أن فرات بن حيان العجلي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حلف الجاهلية، فقال لعلك تسأل عن حلف لجيم وتيم الله، قال نعم يا نبي الله، قال لا يزيده الإسلام إلا شدة. وقال ابن عباس رضي الله عنه {أوفوا بالعقود} معناه بما أحل وبما حرم وبما فرض وبما حد في جميع الأشياء، قاله مجاهد وغيره.
وقال محمد بن كعب القرظي وابن زيد وغيرهما «العقود» في الآية هي كل ما ربطه المرء على نفسه من بيع أن ونكاح أو غيره.
وقال ابن زيد وعبد الله بن عبيدة: العقود خمس: عقدة الإيمان وعقدة النكاح وعقدة العهد وعقدة البيع وعقدة الحلف.
قال القاضي أبو محمد: وقد تنحصر إلى أقل من خمس، وقال ابن جريج قوله تعالى: {أوفوا بالعقود} قال: هي العقود التي أخذها الله على أهل الكتاب أن يعملوا بما جاءهم، وقال ابن شهاب وقرأت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران وفي صدره: هذا بيان من الله ورسوله {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} فكتب الآيات منها إلى قوله: {إن الله سريع الحساب} [المائدة: 4].
قال القاضي أبو محمد: وأصوب ما يقال في تفسير هذه الآية أن تعمم ألفاظها بغاية ما تتناول فيعمم لفظ المؤمنين جملة من مظهر الإيمان إن لم يبطنه وفي المؤمنين حقيقة ويعمم لفظ العقود في كل ربط بقول موافق للحق والشرع. ومن لفظ العقد قول الحطيئة:
قومٌ إذا عقدوا عقدًا لجارهم ** شدوا العناجَ وشدوا فوقَهُ الكربا

وقوله تعالى: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} خطاب لكل من التزم الإيمان على وجهه وكماله وكانت للعرب سنن في «الأنعام» من السائبة والبحيرة والحام وغير ذلك فنزلت هذه الآية رافعة لجميع ذلك واختلف في معنى {بهيمة الأنعام} فقال السدي والربيع وقتادة والضحاك: هي «الأنعام» كلها.
قال القاضي أبو محمد: كأنه قال أحلت لكم «الأنعام» فأضاف الجنس إلى أخص منه وقال الحس: {بهيمة الأنعام} الإبل والبقر والغنم. وروي عن عبد الله بن عمر أنه قال: {بهيمة الأنعام} الأجنة التي تخرج عند الذبح للأمهات فهي تؤكل دون ذكاة، وقال ابن عباس: هذه الأجنة من {بهيمة الأنعام}، قال الطبري: وقال قوم {بهيمة الأنعام} وحشها كالظباء وبقر الوحش والحمر وغير ذلك. وذكره غير الطبري عن الضحاك.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول حسن، وذلك أن «الأنعام» هي الثمانية الأزواج وما انضاف إليها من سائر الحيوان يقال له أنعام بمجموعة معها وكان المفترس من الحيوان كالأسد وكل ذي ناب قد خرج عن حد «الأنعام» فصار له ما، ف {بهيمة الأنعام} هي الراعي من ذوات الأربع وهذه على ما قيل إضافة الشيء إلى نفسه كدار الآخرة ومسجد الجامع، وما هي عندي إلا إضافته الشيء إلى جنسه وصرح القرآن بتحليلها. واتفقت الآية وقول النبي عليه السلام «كل ذي ناب من السباع حرام» ويؤيد هذا المنزع الاستثناءان بعد إذ أحدهما استثني فيه حال للمخاطبين وهي الإحرام والحرم، والصيد لا يكون إلا من غير الثمانية الأزواج، فترتب الاستثناءان في الراعي من ذوات الأربع. والبهيمة في كلام العرب ما أبهم من جهة نقص النطق والفهم ومنه باب مبهم وحائط مبهم، وليل بهيم، وبهمة، للشجاع الذي لا يدرى من أين يؤتى له.
وقوله تعالى: {إلا ما يتلى عليكم} استثناء ما تلي في قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير} [المائدة: 3] و{ما} في موضع نصب على أصل الاستثناء وأجاز بعض الكوفيين أن تكون في موضع رفع على البدل وعلى أن تكون {إلا} عاطفة وذلك لا يجوز عند البصريين إلا من نكرة أو ما قاربها من أسماء الأجناس نحو قولك جاء الرجال إلا زيد كأنك قلت غير زيد بالرفع وقوله: {غير محلي الصيد} نصب {غير} على الحال من الكاف والميم في قوله: {أحلت لكم}، وقرأ ابن أبي عبلة {غيرُ} بالرفع ووجهها الصفة للضمير في {يتلى} لأن {غيرُ محلي الصيد} هو في المعنى بمنزلة غير مستحل إذا كان صيدًا أو يتخرج على الصفة ل {بهيمة} على مراعاة معنى الكلام كما ذكرت.
قال القاضي أبو محمد: وقد خلط الناس في هذا الموضع في نصب {غيرَ} وقدروا فيها تقديمات وتأخيرات وذلك كله غير مرضيّ لأن الكلام على اطراده متمكن استثناء بعد استثناء وحرم جميع حرام وهو المحرم ومنه قول الشاعر:
فقلت لها فيئي إليك فإنني ** حرام وإني بعد ذاك لبيب

أي ملبّ وقرأ الحسن وإبراهيم ويحيى بن وثاب {حرْم} بسكون الراء وقال أبو الحسن هذه لغة تميمية يقولون في رُسُل رُسْل وفي كُتُب كُتْب ونحوه، وقوله: {إن الله يحكم ما يريد} تقوية لهذه الأحكام الشرعية المخالفة لمعهود أحكام العرب أي فأنت أيها السامع لنسخ تلك العهود لتي عهدت تنبه فإن الله الذي هو مالك الكل يحكم ما يريد لا معقب لحكمه.
وهذه الآية مما تلوح فصاحتها وكثرة معانيها على قلة ألفاظها لكل ذي بصر بالكلام ولمن عنده أدنى إبصار فإنها تضمنت خمسة أحكام: الأمر بالوفاء بالعقود وتحليل بهيمة الأنعام واستثناء ما تلي بعد واستثناء حال الإحرام فيما يصاد وما يقتضيه معنى الآية من إباحة الصيد لمن ليس بمحرم، وحكى النقاش أن أصحاب الكندي قالوا للكندي: أيها الحكيم اعمل لنا مثل هذا القرآن فقال نعم أعمل مثل بعضه فاحتجب أيامًا كثيرة ثم خرج فقال: والله ما أقدر عليه ولا يطيق هذا أحد إني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة فنظرت فإذا هو قد أمر بالوفاء ونهى عن النكث وحلل تحليلًا عامًا ثم استثنى استثناء ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين ولا يستطيع أن يأتي أحد بهذا إلا في أجلاد. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال رحمه الله:
قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} يعني العهود قال الجماعة: واختلفوا في المراد بهذه العقود التي أمر الله تعالى بوفائها فقال ابن جريج: هذا خطاب لأهل الكتاب.
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بالكتب المتقدمة، أوفوا بالعقود التي عهدتها إليكم في شأن محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان به.
وقيل هو خطاب للمؤمنين أمرهم بالوفاء بالعقود.
قال ابن عباس: هي عهود الإيمان وما أخذه على عباده في القرآن فيم أحل وحرم.
وقيل هي العقود التي كانت في الجاهلية كان يعاقد بعضهم بعضًا على النصرة والمؤازرة على من حاول ظلمه أو بغاه بسوء وذلك هو معنى الحلف الذي كانوا يتعاقدونه بينهم.
قال قتادة: ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول «أوفوا بعقد الجاهلية ولا تحدثوا عقدًا في الإسلام».
وقيل: بل هي العقود التي يتعاقدها الناس بينهم وما يعقده الإنسان على نفسه.
والعقود خمسة: عقد اليمين، وعقد النكاح، وعقد العهد، وعقد البيع، وعقد الشركة.
زاد بعضهم: وعقد الحلف.
قال الطبري: وأولى الأقوال عندنا بالصواب ما قاله ابن عباس أن معناه أوفوا يا أيها المؤمنون بعقود الله التي أوجبها عليكم وعقدها فيما أحلَّ وحرم عليكم وألزمكم فرضه وبيَّن لكم حدوده وإنما قلنا إن هذا القول أولى بالصواب، لأن الله تعالى أتبعه بالبيان عما أحل لعباده وحرم عليهم فقال تعالى: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} وهو خطاب للمؤمنين خاصة والبهيمة اسم لكل ذي أربع من الحيوان لكن خص في التعارف بما عدا السباع والضواري من الوحوش وإنما سميت بهيمة لأنها أبهمت عن العقل والتمييز.
قال الزجاج: كل حي لا يميز فهو بهيمة.
والأنعام: جمع النعم وهي الأبل والبقر والغنم ولا يدخل فيها ذوات الحافر في قول جميع أهل اللغة.
واختلفوا في معنى الآية فقال الحسن وقتادة: بهيمة الأنعام، الأبل والبقر والغنم والمعز.
وعلى هذا القول إنما أضاف البهيمة إلى الأنعام على جهة التوكيد.
وقال الكلبي: بهيمة الأنعام وحشيّها كالظباء وبقر الوحش وحمر الوحش.
وعلى هذا إنما أضاف البهيمة إلى الأنعام ليعرف جنس الأنعام وما أحل منها لأنه لو أفردهها فقال البهيمة لدخل فيه ما يحل ويحرم من البهائم فلهذا قال تعالى: {أحلت لكم بهيمة الأنعام}.
وقال ابن عباس: هي الأجنَّة التي توجد ميتة في بطون أمهاتها إذا ذبحت أو نحرت.
ذهب أكثر العلماء إلى تحليلها وهو مذهب الشافعي ويدل عليه ما روي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «في الجنين ذكاته ذكاة أمه» أخرجه الترمذي وابن ماجه.
وفي رواية أبي داود قال: «قلنا يا رسول الله ننحر النّاقة ونذبح البقرة والشاة ونجد في بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله؟ قال: كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه».
وروى الطبري عن ابن عمر في قوله: أحلّت لكم بهيمة الأنعام، قال: ما في بطنها.
قال عطية العوفي: قلت إن خرج ميتًا آكله؟ قال: نعم هو بمنزلة رئتها وكبدها.
وعن ابن عباس قال: الجنين من بهيمة الأنعام وعنه أن بقرة نحرت فوجد في بطنها جنين فأخذ ابن عباس بذنب الجنين.
وقال: هذا من بهيمة الأنعام.
وشرط بعضهم الإشعار وتمام الخلق.
وقال ابن عمر: ذكاة ما في بطنها ذكاتها إذا تم خلقه ونبت شعره ومثله عن سعيد بن المسيب.
وقال أبو حنيفة: لا يحل أكل الجنين إذا خرج ميتًا بعد ذكاة الأم.
وقوله تعالى: {إلا ما يتلى عليكم} يعني في القرآن تحريمه وأراد به قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة} إلى آخر الآية فهذا من المتلو علينا وهو ما استثنى الله عز وجل من بهيمة الأنعام {غير محلّي الصيد وأنتم حرم} يعني أحللت لكم الأنعام كلها والوحشية أيضًا من الظباء والبقر والحمر غير محلّى صيدها وأنتم محرمون في حال الإحرام فلا يجوز للمحرم أن يقتل صيدًا في حال إحرامه {إن الله يحكم ما يريد} يعني أن الله يقضي في خلقه ما يشاء، من تحليل ما أراد تحليله وتحريم ما أراد تحريمه وفرض ما يشاء أن يفرضه عليهم من أحكامه وفرائضه مما فيه مصلحة لعباده. اهـ.